کد مطلب:167903 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:244

هل کانت هذه المحاولة اجراء صوریا؟
ومن الغریب هنا أن یتبنّی سماحة الشیخ المحقّق باقر شریف القرشی ما ذهب إلیه الدكتور عبدالمنعم ماجد فی كتابه (التاریخ السیاسی للدولة العربیة)، من أنّ المواجهة بین جند الاشدق وبین الركب الحسینیّ كانت مواجهة صوریة أُرید منها إبعاد الامام عن مكّة! والتحجیر علیه فی الصحراء حتی یسهل القضاء علیه!

یقول الشیخ القرشی: (ولم یبعد الامام كثیراً عن مكّة حتی لاحقته مفرزة من الشرطة بقیادة یحیی بن سعید، فقد بعثها والی مكّة عمرو بن سعید لصدّ الامام عن السفر الی العراق، وجرت بینهما مناوشات، وقد عجزت الشرطة عن المقاومة، وكان ذلك الاجراء فیما نحسب صوریاً!، فقد خرج الامام فی وضح النهار من دون أیة مقاومة تذكر...لقد كان الغرض من إرسال هذه المفرزة العسكریة إبعاد الامام عن مكّة، والتحجیرعلیه فی الصحراء حتی یسهل القضاء علیه بسهولة، وأكّد ذلك الدكتور عبدالمنعم ماجد بقوله: (ویبدو لنا أنّ عامل یزید علی الحجاز لم یبذل محاولة جدّیة لمنع الحسین من الخروج من مكّة الی الكوفة بسبب وجود كثیر من شیعته فی عمله، بل لعلّه قدّر سهولة القضاء علیه فی الصحراء بعیداً عن أنصاره، بحیث أنّ بنی هاشم فیما بعدُ اتهموا یزید بأنّه هو الذی دسّ إلیه الرجال حتی یخرج.).). [1] .

ولعلَّ مردّ الاشتباه فی هذا النظر یعود إلی الامور التالیة:


1) أنّ الدكتور ماجد ومعه الشیخ القرشی قد تصوّرا أنّ الاشدق كان یملك قوّة عسكریة كبیرة فی مكّة، ولكنّه لم یرسل منها لمنع الامام علیه السلام من الخروج إلاّ (مفرزة!) من الشرطة، وقد عجزت عن مقاومة الركب الحسینیّ وهو كبیر نسبیاً آنذاك، الامر الذی یكشف عن أنّ محاولة الصدّ والمنع لم تكن جادة! فتصوّرا أنّ الغرض الحقیقی من وراء هذه المحاولة هو إبعاد الامام علیه السلام عن مكّة والتحجیر علیه فی الصحراء لیُقضی علیه بسهولة!.

والحقیقة كما قلنا من قبل أنّ كُلاًّ من مكّة والمدینة المنوّرة مدینتان دینیّتان كان الوالی لایحتاج فی كلّ منهما لاجراء أمور ولایته إلاّ إلی قوّة محدودة من الحرس والشرطة تكفی لتنفیذ الامور الاداریة والقضائیة وحفظ الامن الداخلی، فهما لیستا من المدن التی تشكلت للاغراض الحربیة أساساً كالكوفة مثلاً، حیث تغصُّ بالجند الكثیف وبالمسالح، ولذا نری أنّ الانتفاضات التی شهدتها كلُّ من مكّة والمدینة كان یُقضی علیها بجیوش تأتیها من خارجها كما فی وقعة الحرّة فی المدینة، ووقعة القضاء علی عبداللّه بن الزبیر فی مكّة.

2) كان الامام علیه السلام ما لم یبایع یزید بن معاویة یُقتل لامحالة، ولو كان فی جحر هامّة من هوامّ الارض، لكنّ قتله فی ظروف زمانیة ومكانیة وملابسات غامضة تختارها السلطة الامویة لیس كقتله فی مواجهة عسكریة علنیة یختار ظروفها الزمانیة والمكانیة الامام علیه السلام نفسه، ذلك لانَّ السلطة الامویة فی الحالة الاولی تستطیع التعتیم علی قتل الامام علیه السلام والتغطیة علیه بألف ادّعاء وادّعاء، أمّا فی الحالة الثانیة فسیتحقق للامام علیه السلام استثمار مصرعه لتحقیق جمیع أهدافه المنشودة من وراء قیامه المقدّس. [2] .


من هنا كان الامویون یحرصون أشدّ الحرص علی قتل الامام علیه السلام فی مكّة لاخارجاً عنها، بواسطة الاغتیال فی ظروف وملابسات غامضة، وهذا هو السرُّ فی قول عمرو بن سعید الاشدق لرجاله لمّا بلغه خروج الحسین علیه السلام من مكّة: (اركبوا كلَّ بعیر بین السماء والارض فاطلبوه!)، وفی محاولته إغراء الامام علیه السلام ببذل (الامان الامویّ!) [3] والصلة والبرّ وحسن الجوار! لارجاع الامام علیه السلام إلی مكّة، ثمّ فی المحاولة القمعیّة التی لم تعدُ الاضطراب بالسیاط.

فهذه المحاولة القمعیة كانت محاولة جادّة لارجاع الامام علیه السلام إلی مكّة بالفعل، لاكما ذهب إلیه الشیخ القرشی والدكتور ماجد أنها كانت إجراءً صوریاً أُرید منها إبعاد الامام علیه السلام عن مكّة!

3) قال الشیخ القرشی: (وكان ذلك الاجراء صوریاً، فقد خرج الامام فی وضح النهار من دون أیّة مقاومة تُذكر..)، ولانعلم مصدراً تأریخیاً روی أنّ الامام علیه السلام خرج عن مكّة فی وضح النهار، [4] فجلُّ المصادر التأریخیة المعتبرة التی


تعرّضت لساعة خروجه ذكرت أنّ خروجه علیه السلام عن مكّة كان فی السحر أو فی أوائل الصباح، [5] لافی وضح النهار.

ولو فرضنا أنّ الامام علیه السلام كان قد خرج فعلاً عن مكّة فی وضح النهار، لما تعرّضت له السلطة الامویة داخل مكّة لمنعه من الخروج، لالانّ السلطة الامویة كانت راغبة بخروج الامام علیه السلام، بل لِما فی المواجهة معه علیه السلام داخل مكّة من خطورة انتفاضة جموع الحجیج الكثیرة جدّاً ضدّها وقد كانت مكّة تغصُّ بهم آنذاك، وهو أمرٌ كانت تتحاشاه السلطة الامویة وتخشی عواقبه.

4) فی قول الدكتور عبدالمنعم ماجد فضلاً عن الاشتباه الاصل هناك اشتباهان آخران وقد وافقه الشیخ القرشیّ علی ذلك! وهذان الاشتباهان هما:

أ- قوله: (ویبدو لنا أنَّ عامل یزید علی الحجاز لم یبذل محاولة جدّیة لمنع الحسین من الخروج من مكّة الی الكوفة بسبب وجود كثیر من شیعته فی عمله!).

وهذه دعوی غریبة! لم نعثر علی متنٍ تأریخی معتبر حسب تتبّعنا یؤیّدها أو یمكن أن تُستفاد منه استنتاجاً، ولانعلم من أین جاء بها هذا الكاتب، بل هناك من الدلائل التأریخیة ما یشیر إلی عكس هذه الدعوی، كما فی قول الامام السجّاد علیّ بن الحسین (ع): (ما بمكّة والمدینة عشرون رجلاً یحبّنا!)، [6] وقول أبی جعفر الاسكافی فی هذا الصدد: (أمّا أهل مكّة فكلّهم كانوا یبغضون علیّاً قاطبة، وكانت قریش كلّها علی خلافه، وكان جمهور الخلق مع بنی أمیّة علیه!). [7] .

ولعلّ منشاء هذا الاشتباه عائد إلی الخلط بین أهل مكّة وبین الوافدین إلیها من


المعتمرین والحجّاج الذین كانوا قد احتفوا بالامام علیه السلام فی مكّة حفاوة عظیمة وكانوا یأتونه ویسمعون كلامه ویأخذون عنه، لكنّ هذا أیضاً لایُستفاد منه أنّ للامام علیه السلام شیعة كثیرین یعملون داخل الجهاز الاموی الحاكم فی مكّة.

ب قوله: (أنّ بنی هاشم فیما بعدُ اتهموا یزید بأنّه هو الذی دسّ إلیه الرجال حتّی یخرج!).

والاشتباه فی هذا القول هو فی عدم التفریق بین أن یكون یزید قد دسَّ الرجال لاخراج الامام علیه السلام، وبین أن یكون یزید قد دسَّ الرجال لاغتیال الامام علیه السلام أو لالقاء القبض علیه فی مكّة فاضطرّ الامام علیه السلام الی الخروج، والتأریخ یؤكّد أنّ یزید كان قد أراد اختطاف الامام علیه السلام أو اغتیاله فی مكّة فاضطرَّ الامام علیه السلام إلی الخروج، [8] لاكما توهّم الدكتور عبدالمنعم ماجد، ثمَّ إنّ بنی هاشم فی تقریعهم یزید علی ما فعله بالامام علیه السلام أكّدوا علی أنّ یزید دسَّ الرجال لاغتیال الامام علیه السلام لالاخراجه، هذا ابن عباس (رض) مثلاً یقول فی رسالة منه إلی یزید: (وما أنسَ من الاشیاء فلستُ بناسٍ إطّرادك الحسین بن علیّ من حرم رسول اللّه إلی حرم اللّه، ودسّك إلیه الرجال تغتاله، فاشخصته من حرم اللّه الی الكوفة، فخرج منها خائفاً یترقّب، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قدیماً، وأعزّ أهلها بها حدیثاً، وأطوع أهل الحرمین بالحرمین لو تبّواء بها مقاماً واستحلَّ بها قتالاً، ولكن كره أن یكون هو الذی یستحلّ حرمة البیت وحرمة رسول اللّه، فأكبر من ذلك مالم تكبر حیث دسست إلیه الرجال فیها لیُقاتل فی الحرم...). [9] .



[1] حياة الامام الحسين بن عليّ، 3 :54-55.

[2] قد يُلاحظ أنّنا كررنا الحديث في هذه الحقيقة وأكّدنا عليها أكثر من مرّة، ولكنّ ذلك كان منّا عن عمدٍ وقصد! لاننا رأينا أنّ هذه الحقيقة قد خفيت علي كثير من الباحثين، الامر الذي حرف استنتاجاتهم عن جادّة الصواب.

[3] إنّ الامان عند حكّام بني أميّة وولاتهم خدعة من خدع مصائدهم، إذ طالما خان معاوية عهد الامان الذي بذله لمعارضيه كمثل حُجر بن عديّ(رض)، وقد خان ابن زياد الامان الذي بذله ممثله محمد بن الاشعث لمسلم عليه السلام، وقد ذاق الاشدق نفسه في نهاية مطاف حياته مرارة الغدر الاموي نفسه بعدما بذل له عبدالملك بن مروان (الامان الاموي!) حيث قتله بيده ذبحاً! (راجع: قاموس الرجال، 8:103).

[4] ويبدو أنه حتي المصدر الذي استفاد منه الشيخ القرشي هذا المعني، وهو (جواهر المطالب في مناقب الامام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لشمس الدين أبي البركات (وهو مخطوط، ومن مصوّرات مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام في النجف الاشرف) لم يذكر أنّ الامام عليه السلام خرج في وضح النهار، بل ذكر أنه عليه السلام ودّع البيت الحرام وداعه الاخير وصلّي فيه فريضة الظهر ثمّ خرج مودّعاً له (حياة الامام الحسين بن عليّ، 3:53)، وهذا الخروج خروج عن البيت بعد وداعه، ولايعني خروجه عليه السلام عن مكّة نفسها، فتأمّل!.

[5] راجع مثلاً: اللهوف: 27؛ ومثير الاحزان: 41؛ وكشف الغمّة، 2:241.

[6] الغارات، 2:573؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 4:104.

[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 4:104.

[8] راجع: مثلاً اللهوف: 27؛ وتأريخ اليعقوبي، 2 :248-249؛ وتذكرة الخواص: 248 والخصائص الحسينيّة: 32/طبعة تبريز؛ ومقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: 165 والمنتخب للطريحي: 243؛ والارشاد: 201.

[9] تأريخ اليعقوبي، 2: 248-250.